بسم الله الرحمن الرحيم....الحمد لله الذي يقذف في قلوب المريدين لوعة الإرادة فيزعجهم إلى سبيل السعادة التي هي الإحسان في العبادة و محو كل رسم و عادة و صلى الله على سيدنا رسول الله محمد سيد أهل السيادة و على آله و صحبه السادة القادة و رضي الله عن وليه شيخنا أبو جمال طبيب القلوب و صاحب العيادة.....و بعد,
تواترت الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية والآثار الدالة على فضيلة الذكر وثمرته , حتى أن الله سبحانه وتعالى لم يأمر في كتابه العزيز بالكثرة في عبادة من العبادات فرضا كانت أو نفلا مثلما آمر في الذكر .
وحتى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الذكر في أحد الأحاديث الصحيحة الواردة عنه افضل من الجهاد في سبيل الله .
يقول الله عز وجل في محكم تنزيله ( يا آيها اللذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا # وسبحوه بكرة وأصيلا ) الأحزاب -- 91--
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون , سبق المفردون , سبق المفردون ,
قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟
قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات . رواه : الإمام مسلم
و يقول سيدي حمزة بلعباس رضي الله عنه و أرضاه : "عليكم بذكر الله كثيراً واقصدوا به وجه الله، لا حظوظ الدنيا ولا حقوق الآخرة تنالوا رضى الله، ومن نال رضى الله، نال مبتغاه"
وقال أحد السادة الصوفية رحمه الله :
الذكر اعظم باب أنت داخله ***فاجعل له الأنفاس حراسا
وقال آخر : واذكر اسم الحبيب ما رمت وصلا *** وتبتل بذكره تبتيلا
القضية في موضوعنا هذا هو ذلك الجدل الذي يمكن أن يثار على اعتبار الاختلافات التي يجدها الفقير منا لدى الدارسين لعلوم الشريعة أو لدى العامة...
فمنهم من قد يقول : وهل العبادات كلها إلا ذكر لله عز وجل ؟
نقول له : نعم , انك أصبت الصواب , ولكن هناك الاصوب .
-- ومنهم من يقول ان القران هو الذكر
-- ومنهم من يقول بان الصلاة هي الذكر
-- ومنهم من يقول بان الحج هو الذكر
-- ومنهم من يقول بان التتسبيح والتحميد والتهليل هو الذكر
-- ومنهم من يقول بان التحدث في الدين هو الذكر
-- ومنهم من يقول ان السعي وراء الرزق هو الذكر
-- ومنهم من يقول ان الاستغفار بأية كيفية هو الذكر....وباختصار يعتبر الكثيرون أي عبادة او طاعة ذكرا لله عز وجل , والحقيقة أن كل هولاء على شيء من الحق , ولا تنقصهم الأدلة والأسانيد على صحة دعواهم . ولكن تظل هناك حقيقة واضحة جلية في تحديد معنى واضح للذكر , ولا تتضارب مع قواعد اللغة والنحو والأصول , ويجمع بين النصوص , ويؤلف بينها في انسجام , بحيث لا تصطدم بتكرار في كتاب الله لا تجد له مبررا أو حاجة .
وهنا نقول لهم و بالله التوفيق :
- اذا اعتبرت ان الذكر هو القران واستدللت بآية ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) نقول لك : فما قولك في أول سورة المزمل حيث قال تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم ( يا آيها المزمل # قم الليل الا قليلا # نصفه او انقص منه قليلا # او زد عليه ورتل القران ترتيلا # انا سنلقي عليك قولا ثقيلا # ان ناشئة الليل هي اشد وطئا واقوم قيلا # ان لك في النهار سبحا طويلا # واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) سورة المزمل .
فان انتبهنا هنا وعرفنا القاعدة النحوية التي تقول : إن العطف يقتضي المغايرة , كأن نقول دخل محمد وعمر , فالعطف بالواو هنا يعني ضمنا ان محمد غير عمر , وان محمد لابد أن يكون عين بذاتها , ومن هنا نتبين ان ترتيل القران شيء , والذكر شيئا بالاسم الالهي شيئا اخر .
ناهيك ونلفت انتباهك على ان القران لم يكن نزل كاملا عند نزول هذه الايات فكيف يؤمر صلى الله عليه وسلم بترتيله ؟ فوجب هنا التأويل .
ثم نحن نعلم ان الله عزوجل في القران آمر المسلمين بقراءة القران ولكن على سبيل التيسير فقال عزوجل ( فاقرءوا ما تيسر منه ) سورة المزمل وقال ( فاقرءوا ما تيسر من القران ) سورة المزمل , في حين امر بالكثرة في الذكر في غير موضع فكيف ذلك ؟
--2 - وإذا اعتبرت ان الصلاة ذكرا محتمل لقوله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) سورة طه 19 - نقول لك :
أولا : في احتجاجك بهذه الآية بعينها نظر .
ثانيا : ما قولك في آية ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) -- سورة النساء آية 103-- فهل المعنى صليتم فصلوا ثانية ؟
او يكون المعنى إذا ذكرتم فاذكروا ثانية !!!
-- 3- وإذا اعتبرت أن التسبيح ذكر نقول لك : ما قولك في آية ( يا آيها اللذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا # وسبحوه بكرة وأصيلا ) سورة الأحزاب -أية - 40و41 .
وامثال هذا كثير في الكتاب والسنة و لكن الكثيرين اكتفوا فيه بالقشر دون اللب و ما ذاقوا حلاوة الذكر المأذون ملقنا على يد عارف بالله..نسأل الله لهم الهداية إلى الحسنى...
ثم تقول بالله إن الذكر لدينا هو : الذكر هو ترديد اسم المحبوب دون طلب لمنفعة او دفع ضرر .
وذكر الله عزوجل يجعل الإنسان يستيقظ من غفلته , ليتمكن من قطع منازل السير الموصلة إلى الله عز وجل التي خلق الإنسان لاجلها .
ولا يستيقظ المرء الا بالذكر كما علمنا شيخنا, فالغفلة هي نوم القلب او موته . و من داوم على الذكر مخلصا ,صار عارفا بالله , وتولاه الله سبحانه وتعالى في جميع شؤونه..
قال تعالى ( فاذكروني أذكركم ) البقرة 152 .
-- قال تعالى ( اللذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) آل عمران 191 .
-- قال تعالى ( اللذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28 .
-- قال تعالى
ولذكر الله اكبر ) العنكبوت 25 .
-- قال تعالى : ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والأبكار ) ال عمران
و قال النبي صلى الله عليه وسلم
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ) . رواه البخاري
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا , قالوا : يا رسول الله ما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر . واخرجه الترمذي .
و قال أيضا صلى الله عليه و سلم : ( يقول الله عز وجل يوم القيامة : سيعلم الجمع من اهل الكرم ؟ قيل : ومن آهل الكرم يا رسول الله ؟ قال : آهل مجالس الذكر في المساجد . أخرجه احمد وابو يعلى وبن حبان والبيهقي .
والخلاصة أن تقول : إن معية الله هو مقام الإحسان و إن الطريق العملي المختصر الموصل إلى حضرة الله سبحانه وتعالى ورضوانه هو الإكثار من ذكر الله في جميع الحالات , على الكيفية التي أذن لك فيها الوارث المحمدي ثم صحبة الذاكرين , و الأدب معهم فهم القوم لا يشقى جليسهم.......
خادم نعال الفقرا المتطفل على موائدهم
أبو دعاء رشيد الوكيلي