قلوب أولياء الله تعالى ، خزائن الحكمة ، ومواضع الرحمة ،
ومعادن المشاهدة ، وكنوز المعرفة ، وبيوت الكرامة ، ومواضع نظر الله جل جلاله إليها برحمته ،
ومزرعة رأفته ، وأواني علمه ، وأخبية حكمته ، أوعية توحيده ، ومواضيع فوائده ، ومساكن عوائده ،
وأكنة أنوار من نوره.
ينظر إليها برحمته في كل لحظة ، فيزيد أنوارها ، ويصلح أسرارها. وقد زينها الله بنور الإيمان ،
وأسسها بالتوكل على الرحمن ، وحاشها من لطائف الامتنان ، وبنى حيطانها من فوائد الإحسان ،
وطيب أرضها بنور الحق والهدى. حتى طابت تربتها من خبث الشرك،والشك ، والنفاق،وسائر
الفواحش.
فهذه الأرض.أرض المعرفة.ساقها الله من بحر الرضى حتى نبتت فيها من أنوار النفس،
وأيدها بحسن معالجة أصحاب البساتين ، وهم السادات من المتقين ، وأخرج أكمامها بريح متابعة
سيد المرسلين.
ورباها بالرياح الربانية : ريح الرحمة .. وريح الرأفة .. وريح الظفر . وما يشاكلها من رياح الربوبية.
وأنضج أثمارها بحر شمس المعرفة . وزادها بمضي ليل الافتقار ، ونهار الافتخار.
وأحسن لون فواكهها صبغة الله.وهي بيان أحكام الشريعة ، وأستمساك العبد بالعروة الوثقى.
وطيب طعمها بالتمسك بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. ثم وضع سرير المحبة على أرض الحق ،
المطيب ترابها ، بنور اللب ، المؤيد بنور التوفيق ، المغذى بغذاء التصديق ، المؤسس بأساس التحقيق ،
المسدد بركنه الوثيق.
وبسط على هذا السرير الفرش الوثير من الحول والقوة ، وألقى عليها من نمارق التضرع والاستكانة ،
وجعل متكأه الاستقامة ، واعتماده على الله : أن يثبته على الحق ، ولزوم الجماعة.
ثم أجلس على هذا السرير عبده ، ووليه ، مسورا ، مؤيدا ، منصورا. قد ألبسه لباس التقوى ،
ونزع عنه ثياب
التكلف والدعوى ، وخلع عليه كرامته من خزائن فضله ، وشد أزاره بمنته ، وتوفيقه.
وتوجه بتاج ولايته ، وغسله بماء بره ، ورعايته ، وزاده طهارة من بحر هدايته ،
وأطعمه من حلاوة ذكره ومحبته ، وسقاه شرابا طهورا بكأس التوحيد
،من بحر التفريد. ممزوجة بحلاوة ولايته حتى صار قائما بالله
غائبا سره عمن سواه. قد ذلت نفسه عند ظهور عزته ، وتلاشت عن التكلف عند رؤية نصرته . فقامت
نفسه في خدمته كالعبد المحجور ، أو كالمضطر المقهور أو كألاسير المأسور.
ثم نظر إليه ربه نظرة رحمته،فنثر عليه من خزائن الربوبية نثار كرامات الخصوصية.
حتى قام مقام حقيقة العبودية . فأغناه الله تعالى بذلك . ثم قربه ، وناداه ، وأكرمه ، وسماه ،
ولطف به ، ودعاه.
فآتاه حين سمع دعاه.فأيده الله تعالى ، وقواه ، واكتنفه وآواه. حتى أجابه ولباه ، وفي السر ناداه ،
وفي كل وقت ناجاه ، وصرخ إلي مولاه ، لا يعرف له ربا سواه.
فأعطاه سؤله ومناه ، واصطفاه لخدمته ، وهداه ، ولمحبته ارتضاه ، ولمعرفته اجتباه.
وأجرى بين يديه أنهار من الصدق ، والصفاء ، والتحقيق والحياء ، والمحبة
والرضاء ، والخوف والرجاء ، والصبر والوفاء ،والشكر والقضاء ، والبقاء،
واللقاء ، والافتخار ، والافتقار ، والتعظيم ، وترك الاختيار ، والنظر في الأقدار ، ومشاهدة العزيز
الجبار.
يزيده الله في كل وقت من اللطائف. ما عجز الواصفون عن وصفه. وهو في قرب من مولاه ،
مستوحش من دنياه ، اشتغل بالله عن النظر في عقباه.
فهو في أرغد عيش مع مولاه. يخالف زوال هذا الحال، ويخشى حادثة توجب الانتقال عن مقام
مشاهدة الكبرياء والجلال.
وهو في هذه الحالة كالأنيس المستوحش ، وكالمستقر المستوفز ، وكالمطمئن المضطرب.
قد غرق في بحر لا يرى شطه. وهو بحر التوحيد ، ولا يتمنى النجاة من هذا الغرق.
يتلذذ هذا الموحد كما يتلذذ المتلذذون من حلاوات الدنيا ، ويألم من ألم فراقه بما لا يألم أهل الأوجاع ،
و الأمراض ، والشدائد ، والمضروبون بالسياط ، والمجرمون بالحديد. فعافاه الله من ألم الفراق،
وجمع له كل عافية ، وجمله من عنده ، وآمنه.
فسبحان من آلى على خاصة أوليائه،
والمقربين من أصفيائه بالآلاء العظيمة. وأنعم عليهم بالنعماء الجسيمة ، وعصمهم من الأهواء السقيمة ،
ومن عليهم بالقلوب السليمة ، وسلك بهم سبيل المحجة المستقيمة فله الحمد على
دفع البلاء ، وبذل العطاء ، وزيادة النعماء وكرامة الهدى ، ورفع الردى ، والتوفيق بالاقتداء
بنبيه المصطفى
وملة خليله المجتبى ، وسنة رسول الله
المرتضى.خاتم الانبياء والرسل إلي أوضح السبل. ختم الله به النبوة ، وبدر بمتابعته إلى إقامة
المروة، وإحياء الفتوة ، وقطع به الحجة.
وأرسله للعاملين رحمة ، ودفع به كل نقمة ، وأتم به النعمة.
إذ هو رسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله أهل الصدق ، والصفاء وعلى أصحابه أهل المحبة ،
والوفاء.
وعلى أزواجه أهل العفة ، والتقى. وسلم ولا ملجأ ، ولا منجا منه.
وهو ولي كل مؤمن . ونعم المولى هو.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.