admin Admin
عدد المساهمات : 311 نقاط : 880 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 14/02/2012 العمر : 56
| موضوع: الملوك العلويين سيدي محمد بن عبد الله السبت فبراير 25, 2012 6:46 am | |
|
بويع سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل بمراكش سنة 1171هـ، قال السلاوي: "وازدحم على بيعته أهل مراكش وقبائل الحوز، وقدمت عليه وفود السوس وحاحة بهداياهم، ثم قدم عليه العبيد والودايا وأهل فاس من العلماء والأشراف وسائر الأعيان وقبائل العرب والبربر والجبال وأهل الثغور، كل ببيعته وهديته، لم يتخلف عنه أحد من أهل المغرب فجلس للوفود إلى أن فرغ من شأنهم وأجازهم، وزاد العبيد بأن أعطاهم خيلا كثيرا وسلاحا عرفوا به محلهم من الدولة وانقلبوا مسرورين مغتبطين". ثم جاءت بيعة فاس سنة 1175هـ بإجماع أهل الحل والعقد.
تولى الحكم في ظروف صعبة، بعد عهد الاضطراب مباشرة، وقد تميز بالعقل والرزانة وبعد النظر. اجتهد في المحافظة على بلاده ووحدتها و تأمين الشواطئ المغربية من العدوان الإسباني والبرتغالي، رغم صعوبة الظروف. وكان دائم التنقل بين جهات مملكته الواسعة ليطمئن على أحوال رعيته. لذلك كان له الفضل في الخروج بالبلاد إلى عهد مشرق يمثل أوج الازدهار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للمغرب.
منجزاته على المستوى الداخلي
لقد وحد المغرب من جديد، واسترجع الثغور وحصن الشواطئ، فقمع جشع الدول الاستعمارية، وطمعها في خيرات المغرب، فاستطاع أن يستعيد مازغان من أيدي البرتغاليين سنة 1182/1768م، حيث جهز قوة ضخمة لاستعادة هذا الميناء. وفتح البريجة سنة 1183هـ/1769 وأخرج النصارى منها وهدمها. وبنى وأسس مدينة الصويرة. كما كان يتابع عن كثب مقدار القوة النارية التي جمعها الإسبان في سبتة، فرأى أن يرجئ الاستيلاء عليها إلى وقت آخر. يقول السلاوي بخصوص اعتنائه بأمور البحرية والجندية: "وأما اعتناؤه بالمراكب القرصانية فقد بلغ عددها في دولته عشرين كبارا من المرابع وثلاثين من الغراكط والغلائط، وبلغ رؤساء البحر عنده ستين رئيسا كلها بمراكبها وبحريتها. وبلغ عسكر البحرية ألفا من المشارقة وثلاثة آلاف من المغاربة، ومن الطبجية ألفين. وبلغ عسكره من العبيد خمسة عشر ألفا، ومن الأحرار سبعة آلاف، وأما عسكر القبائل الذي كان يغزو مع الجند فمن الحوز ثمانية آلاف ومن الغرب سبعة آلاف. وكانت له هيبة عظيمة في مشوره، ومواكبه يتحدث الناس بها، وهابته ملوك الفرنج وطواغيتهم، ووفدت عليه رسلهم بالهدايا والتحف يطلبون مسالمته في البحر. وبلغ ذلك رحمه الله بسياسته وعلو همته، حتى عمت مسالمته أجناس النصارى كلهم إلا المسكوف (المسكوف =الروس) فإنه لم يسالمه لمحاربته للسلطان العثماني، ولقد وجه رسله وهديته إلى طنجة فردها السلطان وأبى مسالمته. ووظف على الأجناس الوظائف فالتزموها، وكانوا يؤدونها كل سنة، واستمر ذلك من بعده إلى أن انقطع في هذه السنين المتأخرة. وكانوا يستجلبون مرضاته بالهدايا والألطاف وكل ما يقدرون عليه. مهما كتب إلى طاغية في أمر سارع فيه ولو كان محرما في دينه. ويحتال في قضاء الأغراض منهم بكل وجه أحبوا أم كرهوا. وكان أعظم طواغيتهم طاغية الإنجليز وطاغية الفرنسيس، فكانوا يأنفون من أداء الضريبة علانية مثل غيرهم من الأجناس، فكان رحمه الله يستخرجها منهم وأكثر منها بوجه لطيف". كما اهتم بالصحراء المغربية فجدد ولاية شيوخ قبائلها بواد نون وأدرار وماسة والساقية الحمراء. واجتث رواسب عهد الاضطراب، وقضى على جميع الانحرافات والتطلعات الشخصية والقبلية. وكان أول ما عني به العبيد الذين كانت حالتهم قد ساءت بسبب تسلط البربر عليهم. كما جدد الضرائب على فاس وغيرها من مدائن المغرب. نظم شؤون القضاء، وجدد مسطرته، حيث استصدر ظهائر دورية عديدة، تستهدف إصلاحه، وخاصة بالمحاكم الشرعية، كما تستهدف تذكير القضاة بواجبهم وتوصي بالأيتام والضعفاء، تحقيقا للعدالة. واهتم بالجانب العمراني، فإليه يرجع الفضل ببناء مدن: الصويرة سنة 1178هـ وفضالة والمحمدية، وتجديد مدينة أنفا. كما شيد ما يناهز ستين مؤسسة، من مساجد ومدارس وغيرها.
منجزاته على الصعيد الخارجي
استفاد سيدي محمد بن عبد الله من المتغيرات السياسية العالمية فأنضجت تجاربه السياسية، كالثورة الفرنسية، واستقلال أمريكا، واحتلال انجلترا لكندا. فقد كانت سياسته الخارجية تتجه في اتجاهين متوازيين: الاتجاه العثماني والإسلامي من جهة، والاتجاه الغربي من جهة أخرى. كما بنى علاقات ديبلوماسية متينة مع دول أوربا الغربية بغية إعادة مكانة المغرب في السياسة الخارجية. ومن أجل ذلك فرض عليها ضريبة المرور بالمياه الإقليمية للمغرب. كما طلبت منه الولايات المتحدة الأمريكية أن يقيم معها معاهدة صداقة وتجارة، وقد راسله رئيسها –إذ ذاك- جورج واشنطن، مشيدا بالعلاقات الودية التي تجمع بين البلدين، مما جعل المولى محمد بن عبد الله من أوائل الملوك والدول المعترفين بالفدرالية الأمريكية. ولم يلبث أن عقد معها المعاهدة المطلوبة سنة 1768م. كما وقع عدة معاهدات سلام مع كل من ملك السويد وملك الدانمارك كريستيان السابع، وملك انجلترا جورج الثاني، وكذا مع البرتغال.. وفي عهد هذا الملك تم الاعتراف بالسيادة المغربية على مدينتي سبتة ومليلية وبضمان صيانته تاريخيا. كما عقد اتفاقية مع ملك فرنسا لويس السادس عشر يتم بموجبها إلغاء الرق بين المسلمين والمسيحيين سنة 1777م، مما يعتبر سبقا في سياسة المغرب الدولية.
وفاته
وتوفي رحمه الله في طريقه إلى الرباط سنة 1204هـ/1790م ودفن بها. وبهذا تنتهي حياة السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل الذي يعتبر من أعاظم سلاطين دولة الشرفاء العلويين، فقد حكم ثلاثا وثلاثين سنة هجرية تعتبر من أحسن سنوات هذه الدولة قبل الاحتلال الفرنسي. فقد كان رائدا للمغرب، مجددا لمعالم دولة عصرية، وباعثا لنهضتها العلمية والإصلاحية والفكرية الشاملة، فاستحق لقب "سلطان العلماء وعالم السلاطين" سنة 1767-1782م. كما ألف مؤلفات القصد من ورائها حفز الهمم من أجل التحرر من الجمود والرجعية على جميع المستويات الفكرية والاجتماعية وغيرهما. لكل ذلك اهتم به الكتاب الأوربيون، فألف لويس شينيه قنصل فرنسا بالمغرب سنة 1767-1782م، كتابا حول تاريخ المغرب، من خلال مراسلاته الديبلوماسية، تضمن وثائق هامة عن عهد المولى محمد الثالث.
| |
|