أن عالم الروح عالم غيبي من أمر الله تعالى، والروح قوي مدرك قادر على التشكل في صور مختلفة متعددة.
والكتب السماوية، والسنة النبوية، مشحونة بالأدلة والأمثلة التي لا تبعث الشك إلى القلوب المؤمنة.
فالقرآن الكريم قد صرح بأن جبرائيل عليه السلام قد تمثل للسيدة مريم العذراء بشراً سوياً.
ولقد جاءت الملائكة أيضاً في صورة آدمية في قصة إبراهيم ولوط .
ولقد تنزلت الملائكة في غزوة بدر الكبرى تقاتل في صفوف المسلمين .
وظهر أيضاً الروح الأمين لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في صورة سيدنا دحية الكلبي حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها بألفاظ حسية سمعها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .
ولم يشك أحد منهم أنه غير آدمي، لولا أن أعلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه جبريل جاءهم ليعلمهم دينهم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أخاه موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره، ثم رآه مرة أخرى في المسجد الأقصى يصلي خلفه، واجتمع به مرة ثالثة يتردد بينه وبين ربه في العالم العلوي .
ويروي لنا الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى موسى بن عمران بالحجاز يركب ناقة حمراء بخطام من ليف وسمعه يجهر بالتلبية، كل هذا والحقيقة واحدة، والمقام الروحي الأمري لم يزل كما خلقه الله تعالى، وإنما ذلك إشعاع نوراني قد تجسم وتمثل في صور مختلفة ويسمى في عرف الصوفية )عالم المثال أو الخيال(، ويقول الطبيعيون إنه بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها، وينصفون لو قالوا: إنها قوة غريبة يسلطها صاحب الهمة على أي شيء يريد وجوده فيحدث ذلك الشيء فوراً بسبق الإرادة الإلهية، وتسمى هذه الحال عند المتكلمين )الإخلاص( وعند المريدين )الحضور(.
ولقد قال الأستاذ محمد فريد وجدي رحمه الله في تفسيره عند قول الله تعالى: ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى ? [البقرة: 206] ما نصه: )إن في الإنسان قوة يمكنها بتوفيق الله تعالى أن تعيد الحياة إلى الجمادات(.