admin Admin
عدد المساهمات : 311 نقاط : 880 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 14/02/2012 العمر : 57
| موضوع: التصّوف الإسلامي، مفهومه وأصوله الخميس فبراير 23, 2012 6:06 pm | |
|
التصّوف الإسلامي، مفهومه وأصوله التصّوف الإسلامي، مفهومه وأصوله فاطمة داود- جامعة مستغانم
يعتبر التصوف الإسلامي جزءا أساسيا في تراثنا العربي الإسلامي حيث تبوأ مكانا هاما في الفكر العربي الإسلامي، والاهتمام بالتصوف قديم، تناوله المؤرخون والعلماء العرب والمسلمون ؛ (كالطوسي، والكلاباذي ، والقشيري وغيرهم)، كما ألف فيه الفلاسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون، وتجادل فيه الفقهاء وعلماء الكلام إضافة إلى جهود المستشرقين أمثال ماسينيوس ونيكلسون وغيرهما. ولم يتفق هؤلاء على رأي سواء تعلق الأمر بحدوده أو أصوله فاختلفت الآراء والمشارب حوله. فالتصوف ليس ظاهرة إسلامية خاصة بل إن جذوره وعروقه لتمتد في أي فكر ديني عموما، حتى إن كثيرا من الدارسين ربطه بأصول غير إسلامية كالمسيحية والهندية والفارسية والفلسفة اليونانية. ورأي آخر يرفض هذه الصلات جملة وتفصيلا ويرده إلى أصوله الإسلامية ومنابعه الأولى (القرآن والسنة). إذن نريد بهذه المداخلة أن نبرز أبعاد التصوف التاريخية والمصادر التي استقى منها عن طريق التأثير والتأثر الذي انعكس على الأدب الديني الصوفي، فكما هو معلوم إن التصوف تميز بطابعه الأدبي الجمالي والوجداني في أسمى صوره من خلال شعراء الحب الإلهي والإشراق ووحدة الوجود. ولنصل إلى معرفة أصل التصوف ونشأته تعرضت لمعنى كلمة (تصوف - صوفي - صوفية). مفهوم التصوف : تعددت التعاريف في حد التصوف ورسمه نورد بعضا منها وإن كانت بلا حصر: لفظ تصوف مشتق من اسمه صوفي وهي مشتقة من الصفاء فجعلوا منه (صوفي) فعلا مبنيا للمجهول من صافى، وقلب صوفي تجنبا للثقل1. ويذهب بعض المستشرقين أن كلمة صوفي مأخوذة من (صوفيا) اليونانية بمعنى الحكمة وعندما فلسفت العرب عبادتهم حرفوا الكلمة وأطلقوها على رجال التعبد والفلسفة الروحية، أو مأخوذة من (ثيوصوفيا) بمعنى الإشراق أو محب الحكمة الإلهية ووافق هذا الرأي المستشرقين نولدكه وفون هارمر2 ويرد الإمام القشيري على ذلك بقوله: "إنه ليس يشهد لهذا الاسم صوفي من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فبه أنه كاللقب."3 وهناك من نسب الكلمة إلى الصوف، للبسهم الصوف، أو نسبة إلى أهل الصفة من صحابة رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم، أو لأن المتصوفة كانوا في الصف الأول بين يدي اللهعز و جل. وهناك من ذهب إلى أصل الكلمة ونسبها إلى رجل زاهد متعبد في الجاهلية كان يلقب بـ (صوفة) وإسمه هو الغوث بن بركان أو في رواية الغوث بن مر كما أشار الزمخشري في أساس البلاغة والفيروز آبادي في قاموسه المحيط إلى أن قوما في الجاهلية سموا بهذا الاسم وكانوا يعبدون الله في الكعبة ومن تشبه بهم سمي صوفي. 4 ويعتبر هذا دليلا على أن النسك كان مذهبا معروفا في الجاهلية ومنهم نشأت طبقة المتحنفين مثل ورقة بن نوفل. ويعتبر الجاحظ أول من استعمل لفظ صوفي عندما تكلم عن النساك وأن أبا هاشم الكوفي أول من لبس الصوف وأطلق عليه متصوفا لزهده في الدنيا. 5 وهذا دليل على أن هذا الاسم قديم وقيل : "لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة العربية."6 فبذور التصوف الإسلامي ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري متمثلة في هيئة زهد نتيجة ما حدث في العالم الإسلامي من ترف وملذات. ثم تطور في القرنين الثالث والرابع, وشاع مصطلح التصوف وتداوله كثير من العلماء والفقهاء والمتصوفة وأعطوه معان متعددة منها : قال الجنيدقدس الله سره : "التصوف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام."7 ويعرفه أيضا : "هو استرسال النفس مع الله على ما يريد."8 وقال علي بن عبد الرحمان القناد : "هو نشر مقام واتصال بدوام."9 وقال بشر بن الحارث: " الصوفي من صفا قلبه للهعز و جل." 10 والصوفي أيضا من: "اختاره الحقعز و جل لنفسه فصافاه وعن نفسه برّأه".11 إذن فالصوفية هم أهل الباطن، وأمناء الله في الأرض يرون بنور اللهعز و جل. وعلم التصوف اتجاه جديد يعبر عن العاطفة الدينية في صفائها ونقائها وهو الجانب الروحي الذي يعتمد على منطق الرؤيا والإشراق والمحبة، يكشف الإنسان فيه البعد المتعالي ليتحول إلى إنسان كامل فهو يحاول لكشف حكمة اللهعز و جل في الحياة وتمتع القلب والروح بلذة المشاهدة. وقد تطور التصوف من بداية القرن الثالث إلى الثامن وكثرت الاصطلاحات فيه والمذاهب وأدخلت عليه التغيرات والظواهر من حيث ترتيب المقامات والأحوال ونظام السلوك والآداب، فانعكس ذلك على أدب التصوف شعرا ونثرا ومن أشهر أعلامه (رابعة العدوية، ذو النون المصري (ت 245 هـ)، السهروردي الشامي، ابن الفارض، ابن عربي... الخ).12 نتبين إذن أن التصوف بدأ زهدا وتطور ليصبح بهذا الشكل خاصة في الأدب الذي جاء متأثرا بكثير من أفكار الثقافات الأجنبية التي امتزجت بالفكر العربي عن طريق الفتوحات الإسلامية وازدهار حركة الترجمة. الأصول الدينية والتصوف الديانة الفارسية والهندية : من الباحثين من يرد التصوف إلى أصول الديانة الفارسية التي ظهرت بخراسان حيث تلاقت الديانات والثقافات الشرقية وبعد دخول أهلها الإسلام صبغت بعض المبادئ الإسلامية بالصبغة الصوفية القديمة 13 ويرى المستشرق نيكلسون:"التصوف قد يكون عن تأثيرات خارجية غير إسلامية كالبوذية وأنه ليس في القرآن أصل للتفسير الصوفي"14 والديانة الفارسية هي ديانة زرادشتية انتشرت في إيران والمدن المجاورة لها وأصبح لها رجـال دين هم طبقة الكهنة وجمعـت تعاليمها في كتاب يسمى "أبستاق" 15 ولما انتشر الإسلام بفارس اعتنق أهلها الإسلام وقضى على هذه الديانة. وجوهرها أنها تؤمن بوجود إله أعظم عالم للماضي والحاضر وهو خالق الخلق ويخاطب زرادشت الإله كصديق حميم ويمدحه حتى الموت، كما تعتقد هذه الديانة أن الخلاص من القيود المادية إلى الحياة الروحية لا يكون إلا بالطهارة الخالصة عن طريق التحرر النهائي من الجسد وقيوده 16 ويرد تأثير هذه الديانة على التصوف إلى دور الفرس في الدولة العباسية واشتغال رجالها في الدواوين والوزارات فنقلوا بعض أفكارهم. ولكن الرأي المعارض يرى أن هذا ليس دليل قطعي لأن الدولة المغلوبة تتأثر بالغالبة. والمنبع الأصلي للصوفية هو الإسلام.17 أما بالنسبة للديانة الهندية فقد تعددت الديانات في الهند منذ القدم فعبدوا الأوثان (حيوانات، شمس) وعبادتهم "لبترا" معبود مقدس تقدم له الهدايا. وجوهر هذه الديانة الإيمان بعالم الأموات الذي يؤثر في الكون.18 ثم بعد مراحل تاريخية ظهرت ديانة جديدة هي البوهمية. وانقسم معتنقوها قسمين، قسم موحد وقسم وثني. والنفس عند البوهمية هي جوهر الحياة خالدة صافية وإذا اتصلت بالجسد تغيرت إلى الكدر وهي خالدة تنتقل من جسد إلى آخر وهذا ما يسمى بتناسخ الأرواح، وظلت حتى ظهور "بوذا" الذي أوجد الديانة البوذية وكان خبيرا بالحياة وأسرارها يهدف إلى الخلاص من متاعب الحياة وآلامها وعلى الإنسان الذي تصبو نفسه إلى السعادة " النرفانا" أن يصل إلى الفناء وذلك بالتحرر من القلق. وكل التعليمات البوذية تدعو إلى التأمل والتركيز الباطني 19، فهذا يؤدي في رأيهم إلى خلق ملكات روحية. ووجه التلاقي في الصوفية الإسلامية مع الديانة البوذية هو في حالة الفناء عند الصوفية التي توازي النرفانا وفكرة الحلول التي توازي التناسخ.20 - الحلول : "كون أحد الجسمين طرفا للآخر كحلول الماء في الإناء."21- الإتحاد : " تصير الذاتين واحدة وهو حال وشهود ووجود ."22 - الفناء : "هو أن يفنى عنه الحظوظ، أي أن يفنى عما له ويبقى بمالله، أي بقاء في تعظيم الله وفناء في تعظيم ما سوى الله ."23 ويرى البيروني أن الصوفية أخذوا من فكرة التناسخ حين قالوا : "الدنيا نفس نائمة ونفس يقظة."24 يرى المعارضون أن هذه الحجج غير كافية وليس التناسخ يشبه الفناء لأن التناسخ معناه حلول الأرواح من جسد لآخر أما الفناء فعرفناه آنفا. 2- الديانة اليهودية والمسيحية : تأثر اليهود بالزرادشتية نتيجة الأسر والسبي في بابل (586 ق م) وعاشوا تحت الحكم الفارسي ثم صاروا رعايا الإمبراطورية المقدونية بالتبعية.25 يرى جولد تسهير أن الصوفية تأثرت باليهودية مستدلا بدخول بعض اليهود الإسلام ووضعهم لكثير من الأحاديث النبوية (الإسرائليات) وأن نظرية التشبيه والتجسيم لدى اليهود تشبه نظرية الاتحاد والحلول لدى الفلسفة الإسلامية 26 ويقول الشهرستاني : "وجدوا التوراة مملوءة بالمشابهات مثل الصورة والمشافهة والتكلم جهرا والنزول من طور سيناء انتقالا والاستواء على العرش استواء."27 وينقض بعضهم هذه الأقوال بأن الاستواء والتكلم جهرا والتجسيم ليس من أفكار الصوفية فهذا دخيل عليها وهناك فرق بين الفلسفة والتصوف.28 أما بالنسبة للمسيحية فقد نقلت أفكار الرهبنة والزهد إلى العرب نتيجة التجارة يقول المستشرق مركس : "إن التصوف الإسلامي مأخوذ من رهبانية الشام خاضع للروحانية المسيحية."29 كما يرى نيكلسون أن المتصوفة تشبهوا برهبان النصارى في لبس الصوف ووافقه ماسينيوس واعتبر التصوف دخيل على الإسلام بدليل اختلافهم مع مذاهب أهل السنة.30 إن الفرق بين الرهبنة والتصوف ؛ أن التصوف لا يلجأ إلى المجاهدة البدنية والنفسية كما هي عند الرهبنة المسيحية من تعذيب للبدن وانقطاع عن العالم، بل المجاهدة الصوفية نفسية من صبر وصلاة وصوم، والقرآن يشرح التصوف بآياته الداعية إلى التقوى والإخلاص والمعاملات... الخ 31 إن موضوع الرهبنة وطبيعة السيد المسيح وعلاقته بالتصوف، تظهر في أن الرهبنة رفضت كل شيء من جانب قيصر ترقبا لملكوت اللهعز و جل، فكثر النساك نتيجة الاضطهاد الديني. وجوهر الرهبنة هو التحرر المطلق من كل شيء ورفض الماديات.32 3- الفلسفة اليونانية وأثرها على التصوف : يقول رينولد صاحب كتاب التصوف : " لكني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف بمعناه الدقيق استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي أو فارسي ولزم أن نعتبره وليد اتحاد الفكر اليوناني والديانة الشرقية أو بعبارة أخرى وليد اتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة والديانة المسيحية." 33 لقد ازدهرت الترجمة في العصر العباسي وبصم الفكر الإغريقي طابعه على الثقافة العربية الإسلامية وأثرت على تعاليم المتكلمين كما أثرت الأفلاطونية الحديثة على الصوفية. ويدور مذهب أفلاطون حول الله والنفس والعقل ؛ فاللهعز و جل جوهر المذهب وهو المحبوب المبدع الذي تشتاق إليه الصور العليا وهو قديم لا يتغير وأن الجواهر العقلية قد فاضت وتفاضلت مراتبها نتيجة اختلافها قربا أو بعدا من النور الأول الذي فاضت منه. والنفس جوهر كريم وهي نقطة تدور حول العقل، والعقل جزء يهيم باشتياق إلى الله والنور الأول. وحكماء هم اللذين إذا أرادوا الحكمة تشوقت نفوسهم إلى صانعها الحكيم ومن هنا قيل إن اللهعز و جل هو المعشوق الأول ذو جمال مطلق. 34 والصوفي أيضا يريد هذا الجذب ليحقق ذاته في الله. أما الأفلاطونية الحديثة زعيمها هو أفلوطين (204 - 261 م) وهو صاحب المذهب الإسكندري، يذهب إلى أن اللهعز و جل هو الأول والآخرومنه يصدر كل شيء، وأن الاتصال باللهعز و جل والفناء فيه هو الهدف الحقيقي وهو غير متناه، منزه عن كل صفة، أسمى من الجمال والحقيقة والخير، فالعالم فيض من الله ولم يخلقه لأن الخلق يتطلب الإرادة والشعور.35 إن مبادئ هذه الأفلاطونية نجدها عند المتصوفة أمثال ابن عربي وابن الفارض والحلاج والسهروردي وغيرهم ممن تغنى بالحب الإلهي، والسكر الروحي، ووحدة الوجود والإشراق. فالحب الصوفي هو حب فلسفي يهيم بالجمال ليصل إلى معانيه الروحية تأثر بالحب والجمال عند أفلاطون. ويتفق أفلوطين مع الصوفيين المسلمين في رياضة النفس والاتصال باللهعز و جل مع اشتراط الذهول لحدوث ذلك بمداومة التأمل ليتم الاتصال بالعلة الأولى (اللهعز و جل) وتخسر وجودها الجزئي وتشعر بالسعادة لأنها أصبحت شيئا واحدا مع الله 36. كما يتفق معهم في النظرة الشمولية ونظرية الفيض والإشراق والمعرفة والفكر ومع ذلك فالخلاف واضح لكون الفلسفة اليونانية وثنية تؤمن بتعدد الآلهة. والتناسخ والاتصال سلبي غير شخصي عند أفلوطين والهنود وإيجابي شخصي عند المسلمين.36 ومن نماذج هذا التأثر بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة، عرضنا لبعض شعراء التصوف في الحب الإلهي ووحدة الوجود والإشراق. فابن عربيقدس الله سره (563 هـ - 638 هـ) خرج بالتصوف إلى شبه فلسفة في شعره وفكره ويذهب إلى أن التصوف تشبيه باللهعز و جل، والوجود في جوهره واحد ووجود الأشياء جميعها إنما هو اللهعز و جل "ما ثم إلاّ هو وما هو إلاّ هو."37 فوحدة الوجود عنده ليست حلولا على الحقيقة لأن الحلول نزول الإله في شخص من الأشخاص والصوفية ليس هذا اعتقادهم، والاتحاد هو شيوع الألوهية في العالم كله. وابن عربي يريد إثبات شخصية الإنسان في الوجود الإله بأسلوب وجداني رمزي، 38 حيث يقول : 39 . إذَا أبْصَرتْ عَنِي جَمَالَ وُجُودِهِ***أكون به في الحال صاحب أنوار وإنْ لَمْ أَكُنْ أُبْصِرُ سِوَايَ فَإِنني***لِعَالِمِ وَقْتِي بِي وصَاحِـبَ أسْرَارِ لقد تحول الحب الإلهي عنده إلى فكرة وحدة الوجود، فليست في الكون حركة ألاّ وهي"حبّية "40 والمحبة وصل بين الإنسان وخالقه وبها يدرك بعده اللامتناهي، الإلهي. كما انقلب الحب الإلهي عند الحلاجقدس الله سره (309 هـ) إلى مذهب الحلول الذي أثار حوله الكثير من الشبهة، ويطعن السراج الطوسي في ذلك أنه دخل في أوصاف الحق وأضاف معنى يؤدي إلى الحلول كقوله : "أنا الحق" 41. ويقول أيضا : 42 طاح وجودي في شهودي وغبت عن وجود شهودي ما حيا غير مثبت فهو يعتمد التصريح دون التلميح بالرمز مبينا وحدة الوجود حيث تتوحد الذات والموضوع، ويتوحد الخالق والمخلوق وتصبح المعرفة إشراقا والوجود محبة. عرف ابن الفارضقدس الله سره (576 هـ - 632 هـ) بحبه الإلهي وتائيته الكبرى تبين مذهبه :43 وعن مذهبي في الحب ما لي مذهب *** ولي نفس حر بذلي لها على تسليك ما فوق المنى ما تسلت *** وإن ملت يوما عنه فارقت ملّتي إن حب ابن الفارضقدس الله سره حب حتى الفناء وبطلان الشعور والحواس فبفقد المخلوق ويوجد الخالق ويفنى الإنسان ليبقى الله، وتبطل مفردات الموجودات لتحقق ذات الوجود. كما توسل بحبه الإلهي بالخمرة المقدسة والسكر الروحي معتمدا الرمز والمجـاز الذي يعطي أسبقية زمنية ومنطقية للمعنى والفكـر والنفس حيـث يقول :44 وفي الصحو بعد المحو لم أك غيرها***ومازلـت إياهـاوإياي ولم تـزلوذاتي بذاتي إذا تجلت تحلت ***ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبّت لقد ترجمت التائية إلى الفرنسية والأسبانية كما تأثر دانتي الإيطالي بابن عربيقدس الله سره في الكوميديا الإلهية وما استقاه من الفتوحات المكية من معان رمزية لمشاهد القيامة والآخرة.45 أما بالنسبة للإشراق عند السهروردي الشاميقدس الله سره المقتول (539 هـ - 587 هـ) صاحب مؤلفات ؛ "مجموعة في الحكمة الإلهية، عوارف المعارف، هياكل النور".46 الإشراق مبدأ من الفلسفة الأفلاطونية الحديثة التي ترى أن اللهعز و جل نور الأنوار ومصدر جميع الكائنات. وهو عند الصوفية ظهور الأنوار العقلية وفيضانها بالإشراقات على الأنفس عند تجردها، وهذه الحكمة الإشراقية نجدها في قصة حي ابن يقظان وكيف ترقى النفس لتصل إلى اللهعز و جل.47 ومن اصطلاحاته ؛ التجلّي، المكاشفة، الذوق، الشاهد، المشاهدة، وما تتركه من أثر في القلب والروح. فالتجلّي ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب، والذوق أول التجلّيات.48 يقول الصوفي السهرورديقدس الله سره في دعائه : "الإشراق سبيلك اللهمّ ونحن عبيدك"، "لأنّك أنت المبدأ الأول والغاية القصوى".49 فالإشراق هو سبيله إلى الفيض العلوي لمن امتلأ قلبه حكمة فهو أحبها ووضع لها شروطا للوصول إليها، كالتجرد والانقطاع عن الدنيا، ومشاهدة الأنوار الإلهية. كما قرن الفلسفة بالتصوف وسمّى الفيلسوف المتصوف بالحكيم المتأله وهو الذي يتذوق الحكمة، وعمد السهرورديقدس الله سره إلى القصص في كتابه "التلويحات" ليبين رؤياه الصوفية حيث يرد كل شيء إلى نور اللهعز و جل وفيضه.50 وتحدث الصوفيون عن الإشراق بذكر رحلاتهم الروحية مع الذات الإلهية والروح القدس. وعرف أصحاب هذا المذهب بالحكمة المشرقية وهي تعبير عن تلاميذ السهروردي، كما نلفيها عند ابن سينا والفارابي وابن رشد.51 وختاما يجدر القول أن التصوف الإسلامي هو خلاصة الحكمة في الآداب الإسلامية والفضائل النبوية وهو زبدة الدراسات النفسية والقلبية في الفكر الإسلامي ويعتبر ثروة وثورة فكرية وثقافية وأدبية ضخمة لما أثاره من خصومات ومجادلات من جهة ومن إعجاب وتأثر من جهة أخرى. كما أن الصوفية هم اللذين ارتفعوا بالأدب وجعلوه سلاحا نبيلا للدعوة إلى اللهعز و جل، فهو أدب صادق يصدر عن تجربة حية عاشها الصوفيون بين الحلم واليقظة وبين الأمل والألم، فهو أدب يفيض حبا وإشراقا وسموّا وإبداعا، والأديب الصوفي يتسامى كمالا وطهرا بتعابيره الإيمانية ونشواه الوجدانية وحبه للذات الإلهية. ونشير في آخر المطاف إلى أن أصول التصوف ومصادره الأولى إسلامية من القرآن والسنّة، ويطعن كثير من الباحثين في وجود علاقة بين التصوف والديانات القديمة أو الفلسفة اليونانية، وإن وجدت بعض الأفكار الأفلاطونية فهي تشبه في العوارض والعموميات لا في الخصائص والجوهر، خاصة في الحب الإلهي الذي انطوت معانيه في آيات قرآنية كثير، فأصحاب هذا الرأي يردون التصوف إلى أصوله العربية ؛ فالغزل العذري تطور إلى الغزل الإلهي، والوصف القديم تطور إلى وصف الذات الإلهية، والمدح العربي تطور إلى المدائح النبوية.
الهوامش : 1- انظر، السراج الطوسي : اللمع في التصوف، أرنولد نيبكسون، مطبعة بريل 1914، ص 26-27. 2- انظر، محمد عبد المنعم الخفاجي : الأدب في التراث الصوفي، دار غريب للطباعة، القاهرة 1938، ص 23-24 3- انظر، القشيري : الرسالة القشيرية، ص 126 4- انظر، زكي مبارك : التصوف الإسلامي، مطبعة الرسالة، القاهرة، 1938، ص 67 5- انظر، الكلابادي : التعرف على مذهب أهل التصوف، أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1993، ص 09 6- وانظر، اللمع، ص 26-27 7- 8- 9- المصدر نفسه، ص 25. 10- التعرف على مذهب أهل التصوف، ص 10 11- نظر، التعرف، ص 11 ؛ انظر، اللمع، ص 23-24 12- انظر، الأدب في التراث الصوفي، ص 53-55 13- انظر، عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، مكتبة مدبولي القاهرة، ط1، 1989-1991، ص 28 14- 20- انظر، المرجع نفسه، ص 28 - 37. 21- انظر، أنور فؤاد أبو خزام : معجم المصطلحات الصوفية، مكتبة لبنان، ط1، 1993، ص 27. 22- انظر، المرجع نفسه، ص 38. 23- التعرف، ص 142-144. انظر، معجم المصطلحات الصوفية، ص 137. 24- 28- انظر، المذاهب الصوفية، ص 32 - 33. 29- انظر، الأدب في التراث الصوفي، ص 35-36. 30- انظر، أبو الفيض المنوفي : المدخل إلى التصوف الإسلامي، الدار القومية، القاهرة، ص 31. 31- 34- المرجع نفسه، ص 28 - 44. 35- انظر، الأدب في التراث الصوفي، ص 206 - 207. 36- انظر، عمر فروخ : التصوف في الإسلام، بيروت 1947، ص 32 وما بعدها. 37- ابن عربي : فصوص الحكم، تحقيق أبي العلا عفيفي، دار الكتاب العربي، ص 110. 38- انظر، الأدب في التراث الصوفي، ص 190. 39- ابن عربي : ديوان ابن عربي، شرح وتقديم نواف الجراح، دار صادر، بيروت، ط1، 1999، ص 231. 40- انظر، المرجع نفسه، ص 190. 41- اللمع، ص 433. 42- 47- المصدر نفسه، ص 128 وما بعدها. 48- معجم المصطلحات الصوفية، ص 50. 49- الأدب في التراث الصوفي، ص 128. 50- 51- انظر، المرجع نفسه، ص 130-131.
| |
|