أساس رسالة شيخنا رضي الله عنه وأرضاه هي المحبة والائتلاف والاجتماع على المودة وخلو القلب من الغل والغش والحقد كما جاء في الحديث، ليتحقق الناس بقوله تعالى : " ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين " إلا أن من عجائب الزمان وخوارق القدر، أن يتهم صاحب هذه الرسالة الجليلة بالوهم والبدعة والعصيان، وما ذلك إلا بسبب جهل الأثر والسنن، وحجاب وهم النفس، وانغلاق أبواب الفهم، فأصبح الوهم عند الناس هو الحقيقة، والحقيقة هي الخرافة والتخريف والتزييف، أترى قلبت الحقائق وغابت الرقائق، فطرحت الإشكالية ما هو منهج الوصول وسبب الاتصال لا الانفصال، ولكن غاب عن أذهانهم أن علم الرجال الذي يحمله شيخنا اليوم محاط بالمكاره، محفوف بالأشواك، فإذا كانت جنة الزخارف حفت بالسيوف والمكاره، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكيف بعلم القلوب الذي لا سلامة للإنسان إلا بسلامته " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " وما هذه المكاره في حقيقة الأمر إلا حراس معناه، وصائن سره، باعتبار أن لا سفر بدون ثمن، وأن لا بحر بدون أمواج، وثمن هذا العلم هو الفهم عن الله في السير، ومعرفة كيف تسير وكيف تصير، وألا توقفك علامات السير عن السير إلى الله، لأن العلامة آية، والآية إشارة، وأن يكون مقصودك أيها السالك المصاحب لهذا العلم النافع رب الإشارة ورب الآية، وقانون صاحب رسالة هذا العلم النافع الذي ينبسط في الصدر شعاعه هو الحديث القدسي : " وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " والإتيان يقتضي سيرا، والسير في منطق الأشياء يتطلب خبيرا ودليلا يعرف كيف يسلكك من مخاطر الطريق ومصاعبها، حتى يصل بك إلى نقطة ينتهي فيها مشيك بهرولته، وسعيك بفضله، وجهدك بعطائه، فتكون أنت الماشي الهالك، وهو سبحانه وتعالى المهرول المالك لقلبك ونفسك وجوارحك " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " والكل يعلم أن في السير في الطريق صحراء وواحات ومناجاة ومعانات وأنهار ومياه وبحار تتجلى للبعيد سرابا، وتسبب في نفس المحب خرابا، لان مقصود علم الرجال هو خراب أوهام النفوس، وإزالة ما سرب فيها من المدسوس، لكي لا تبقى إلا حقيقة موجودة في القلوب والنفوس أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتوحيد خاص ينفي كل إحساس، ولا عليك أيها السالك المصاحب إن قالوا في حقك مبتدع مختلق كذاب، فقد قالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر كذاب، رغم أنه أظهر لهم الأمر العجاب، وفتح لهم جميع الأبواب، وأتم لهم مكارم الأخلاق، فقالوا في حقه إن هذا إلا اختلاق، وما علموا -انه صلى الله عليه وسلم- أن الله جعله يقول للشيء كن فيكون، فقالوا في حقه ساحر ومجنون، رغم انه يشرب من رحيق الكوثر، وهم يقولون إن هذا إلا سحر يوثر، وما علموا انه عرج بسره إلى السماء، وان الكريم الوهاب علمه خصائص الأسماء، وجعله أميرا على خزائن التحقيق، ثم أمره بالدلالة عليه، فقال له من طعن فيك وسفه أمرك فقد رد أمر الملك الجليل ونسي قوله تعالى : " من يطع الرسول فقد أطاع الله "
كذلك علم القوم فيه بدائع
علم التصوف علمٌ ليس يعرفه إلا أخو فطنةٍ بالحق معروفُ
وليس يعرفه مَنْ ليس يشهده وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوفُ