admin Admin
عدد المساهمات : 311 نقاط : 880 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 14/02/2012 العمر : 56
| | وحدة المذهب الفقهي، لماذا؟ ربيعة سحنون | |
وحدة المذهب الفقهي، لماذا؟ ربيعة سحنون كان المغاربة على وعي كامل بأهمية وحدة المذهب، فاختاروا مذهب إمام المدينة مالك بن أنس (ت197ھ)، "خوفا من الوقوع في الابتداع من جهة، أو تسرّب التفرقة من جهة أخرى، ولهذا اختاروا سنية مالك بن أنس إمام دار الهجرة ".[1]
ويمكن إجمال بواعث تفضيل المغاربة لمذهب الإمام مالك وتقديمهم له على غيره من المذاهب في الآتي:
* شخصية مالك العلمية: شخصية مزدوجة التخصص، انعقد له لواء علم الحديث، كما انعقد له لواء علم الفقه، ومن تم فمالك مؤسس لمدرستين: مدرسة حديث ومدرسة فقه...
* أصول مذهب مالك وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب، والاستحسان.[2]
* كونه مذهب أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم في مدينته عليه الصلاة والسلام، لأنها مهبط الوحي ودار العلم.[3]
* كان مذهبه أقرب إلى روح الشريعة، إضافة إلى ثناء الناس عليه، وإعجابهم بحسن سيرته واستقامة سلوكه، وجديته وإخلاصه في بذل العلم، والتزامه الصارم باتباع نصوص الكتاب والسنة والقياس الواضح، وبُعْد فكره عن الإغراب والافتراض في ميدان الاجتهاد، وللأثر الوارد في شأن عالم المدينة الذي حمله بعض العلماء عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة)،[4] قال سفيان بن عيينة: كُنّا نسمع أهل المدينة يقولون إنه مالك بن أنس.[5]
* ما يرجع إلى ملاءمة مذهبه لطبيعة المغاربة، ذلك أن المذهب المالكي كما هو معروف عنه، مذهب عملي يعتدُّ بالواقع ويأخذ بأعراف الناس وعاداتهم، ففقهه عملي أكثر منه نظري، يتمشّى مع الفطرة في بساطتها ووضوحها دون تكلُّف أو تعقيد...، فمذهبه خلا من تداخل الآراء، وظل بعيدا عن الشوائب التي تسربت إلى الدين من الأمصار الأخرى...[6]
* ما ظهر من مذهبه في أهل المغرب، واختصاصهم به وتصميمهم عليه. مع شهادته عليه السلام لهم بأن الحق يكون فيهم ولا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة. فتكون هذه الشهادة لهم شهادة له بأن مذهبه حق، لأنه شعارهم ودثارهم ولا طريق لهم سواه، وغيره لم تحصل له هذه الشهادة.[7]
إلى غيرها من الأسباب التي كانت وراء وحدة المغرب المذهبية، فقد غلب مذهبه على أهل المغرب حتى عرفوا به بين الأقطار، وصار سمة وخاصية تُميِّزهم عن سواهم.
إن في وحدة المذهب توحُّدٌ للأمة وجمعٌ لكلمتها ووحدةٌ لصفِّها وبُعدٌ عن الفتنة والتفرقة، كما جاء في كلام المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، قال: "نريد مغربنا في أخلاقه وفي تصرفاته جسدا واحدا موحّداً، تجمعه اللغة والدين ووحدة المذهب، فديننا القرآن والإسلام، ولغتنا لغة القرآن، ومذهبنا مذهب الإمام مالك، ولم يُقْدِم أجدادنا رحمة الله عليهم على التشبُّث بمذهب واحد عبثاً أو رغبة في انتحال المذهب المالكي، بل اعتبروا أن وحدة المذهب كذلك من مكونات وحدة الأسرة ".[8]
إن المحتوى العلمي والمضمون الفقهي والمنظومة التربوية للمذهب المالكي؛ كل ذلك جعل المغاربة يتشبّثون به منذ عهد المولى إدريس الثاني الذي اتخذه مذهبا رسميا لدولته.
قال ابن خلدون: "وأما مالك رحمه الله تعالى فاختصّ بمذهبه أهل المغرب والأندلس، وإن كان يوجد في غيرهم، إلا أنهم لم يُقلِّدُوا غيره إلا في القليل، لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز، وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار العلم... فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلّدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته...".[9]
وعن طريقته ومذهبه قال أبو عبد الله محمد بن عمّار الميُورقي:[10] [الوافر]
وكن في ذي المذاهب مالكيا مَدِيـنياً وسُنِّيـاً مَتينـاً
مدينة خير من ركِب المطايا ومهبِط وحْي ربِّ العالمينا
بها كان النبيّ وخير صحْبٍ وأكثرهم بها أضحى دفينا
ومالِكُ الرِّضى لا شك فيـه وقد سلك الطريق المُسْتبينا
نظرنا في المذاهب ما رأينـا كمذهب مَالِك للنّاظِرينـا
ومذهبنا اتباع لا ابتـداع كما اتّبَع الكريمُ الأكرمينا
وعندي كل مجتهد مصيب ولكن مالك في السابقينا
وقد دلّ الدليل على صواب يقول به لدى المُتحقِّقِينا[11]
فالتأليف بين القلوب وتوحيدها على عقيدة واحدة وعلى مذهب واحد ليسا بالأمر الهين، غير أن الله سبحانه وتعالى قادر على التأليف بين قلوب المغاربة وجمعها على إمام واحد بايعوه على السمع والطاعة وخدمة شؤون بلادهم، قال تعالى: ﴿وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم﴾.[12]
[1]- حوار مع الصادق العثماني مدير الشؤون الدينية بمركز الدعوة الإسلامية لأمريكا اللاتينية بالبرازيل على موقع: (www.hespress.com).
[2]- محمد إبراهيم علي: اصطلاح المذهب عند المالكية، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 1421ھ/2000م، ص: 53.
[3]- شمس الدين محمد بن محمد الراعي الأندلسي (782-853ھ): انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك، تحقيق: محمد أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1981م، ص: 200.
[4]- أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209-279ھ): سنن الترمذي، تحقيق: مصطفى محمد حسين الذهبي، دار الحديث، القاهرة، د.ط، 1426ھ/2005م، كتاب العلم، باب ما جاء في عالم المدينة، رقم 2680.
[5]- عمر الجيدي: مباحث في المذهب المالكي بالمغرب، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1، 1993م، ص: 35.
[6]- المرجع السابق، ص: 36.
[7]- القرافي: الذخيرة، 1/35.
[8]- خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1979-1980م، (12/10/1979م).
[9]- ابن خلدون: المقدمة، 3/954.
[10]- محمد بن عمّار الكلاعي من أهل ميورقة نزيل بجاية، روى بمصر عن أبي محمد بن الوليد، كان عالما متفننا، سمع أبو بكر بن العربي من الميورقي سنة 485ھ في رحلته المشرقية ووصفه بالعلم. ترجمته في: أحمد بن محمد المقري التلمساني(1041ھ): نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، حققه: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، ط2، 2004م، 2/60.
[11]- الراعي: انتصار الفقير السالك، ص: 245.
[12]- سورة الأنفال، آية 63. | |
|