kaoutar.tanji
عدد المساهمات : 5 نقاط : 11 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 08/03/2012 العمر : 39
| موضوع: حجية الذكر بالجهر و الإجتماع على الذكر الجمعة يونيو 01, 2012 1:32 pm | |
|
وأما الاجتماع للتلاوة فهو ثابت من حديث: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يقرؤون القرآن، ويتدارسونه إلا حفت بهم الملائكة)). ومن هاهنا أخذوا جواز قراءة الأحزاب في المساجد والمجالس أفضلية ذكر الجهر:
قال العلامة الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: (اختُلِفَ؛ هل الإسرار بالذكر أفضل؟ فقيل: نعم، لأحاديث كثيرة تدل عليه منها: “خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي”. ولأن الإسرار أبلغ في الإخلاص، وأقرب إلى الإجابة. وقيل: الجهر أفضل لأحاديث كثيرة: منها ما رواه ابن الزبير رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم من صلاته قال بصوته الأعلى: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله...” الحديث [رواه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواقع الصلاة، والترمذي في كتاب الصلاة]. وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر من يقرأ القرآن في المسجد أن يُسمِع قراءته. وكان ابن عمر يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون، لأنه أكثر عملاً، وأبلغ في التدَبُّر، ونفعه متعدٍ لإيقاظ قلوب الغافلين. وجُمع بين الأحاديث الواردة بأن ذلك يختلف بحسب الأشخاص والأحوال؛ فمن خاف الرياء، أو تأذى به أحد كان الإسرار أفضل، ومتى فُقد ما ذكر كان الجهر أفضل. قال في “الفتاوي”: لا يُمنع من الجهر بالذكر في المساجد، احترازاً عن الدخول تحت قوله تعالى: {ومن أظلم منمن منع مساجدَ اللهِ أنْ يذكر فيها اسمه} [البقرة: 114]. كذا في البزازية. ونص الشعراني في ذكر الذاكر للمذكور والشاكر للمشكور ما لفظه: وأجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الله تعالى جماعة في المساجد وغيرها من غير نكير، إلا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلٌّ أو قارىء قرآن، كما هو مقرر في كتب الفقه [“حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح” ص208]. وقال ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (وفي الفتاوي الخيرية من الكراهية والاستحسان جاء في الحديث ما اقتضى طلب الجهر به نحو: “وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم”. رواه الشيخان. وهناك أحاديث اقتضت طلب الإسرار. والجمع بينهما: أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، كما جُمع بذلك بين أحاديث الجهر والإخفاء بالقراءة، ولا يعارض ذلك حديث “خير الذكر الخفي” لأنه حيث خيف الرياء، أو تأذي المصلين أو النيام، فإن خلا مما ذكر فقال بعض أهل العلم: إن الجهر أفضل، لأنه أكثر عملاً، ولتعدي فائدته إلى السامعين ويوقظ قلب الذاكر، فيجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد النشاط. ا.ه ملخصاً وتمام الكلام هناك فراجعه،. وفي حاشية الحموي عن الإمام الشعراني : (أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الجماعة في المساجد وغيرها إلا أن يشوش جهرهم على نائم أو مصلٌّ أو قارىء) [“حاشية ابن عابدين” ج5/ص263].
ب - ذكر اللسان وذكر القلب:
وقال الإمام النووي رحمه الله: (أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب والحائض والنفساء وذلك في التسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك) [“الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية” ج1/ص106 - 109]. وقال الإمام النووي رحمه الله: (الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل. ثم لا ينبغي أن يُترك الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يُظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً، ويقصد به وجه الله تعالى). قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (إن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانْسَدَّ عليه أكثر أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريق العارفين) [“الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية” ج1/ص127]. وقلب الغافل عليه غشاوة، فلا يجد صاحبها لطعم الذكر حلاوة، ولا لغيره من العبادات ولذلك قيل: (لا خير في ذكر مع قلب غافلٍ ساهٍ) ولا نعني بذلك أن يترك الذكر مع الغفلة، إلا أن صاحب الهمة العالية يجاهد نفسه، ويراقب قلبه مرة بعد مرة، حتى ينتقل إلى ذكر مع الحضور، وذلك كالرامي؛ ففي المرة الأولى لا يصيب الهدف، ثم يحاول في الثانية والثالثة إلى أن يتقن ذلك، فيصيب الهدف. وكذلك الإنسان مع قلبه؛ يحاول المرة تلو المرة بين ذكر ومذاكرة حتى يعتاد القلب الحضور مع الله تعالى. قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله: (واعلم أنه قد انكشف لأرباب البصائر أن الذكر أفضل الأعمال، ولكن له أيضاً قشور ثلاثة بعضها أقرب للُّب من بعض وله لب وراء القشور الثلاثة، وإنما فضل القشور لكونها طريقاً إليه. فالقشر الأعلى منه: ذكر اللسان فقط. والثاني: ذكر القلب إذا كان القلب يحتاج إلى موافقته حتى يحضر مع الذكر، ولو تُرك وطبعه لاسترسل في أودية الأفكار. والثالث: أن يستمكن الذكر من القلب، ويستولي عليه بحيث يحتاج إلى تكلف في صرفه عنه إلى غيره، كما احتيج في الثاني إلى تكلف في قراره معه ودوامه عليه. والرابع: وهو اللباب، أن يستمكن المذكور من القلب، وينمحي الذكر ويخفى، وهو اللباب المطلوب، وذلك بأن لا يلتفت إلى الذكر ولا إلى القلب بل يستغرق المذكورُ جملتَه، ومهما ظهر له في أثناء ذلك التفات إلى الذكر فذلك حجاب شاغل. وهذه الحالة التي يعبر عنها العارفون بالفناء... ثم قال رحمه الله: فهذه ثمرة لباب الذكر وإنما مبدؤها ذكر اللسان، ثم ذكر القلب تكلفاً، ثم ذكر القلب طبعاً، ثم استيلاء المذكور وانمحاء الذكر) [كتاب “الأربعين في أصول الدين” للإمام الغزالي ص52 - 55].
ج - الذكر المنفرد والذكر مع الجماعة:
العبادات مع الجماعة - وفيها ذكر الله تعالى - تزيد في الفضل على العبادة في حالة الانفراد؛ ففي الجماعة تلتقي القلوب، ويكون التعاون والتجاوب، ويستقي الضعيف من القوي، والمُظْلِم من المُنَوَّر، والكثيف من اللطيف، والجاهل من العالم وهكذا...
- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذكر” [أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات].
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تبارك وتعالى ملائكةً سيارةً وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض فإذا أتَوا على مجلس ذكرٍ حفَّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم إلى السماء، فيقول الله من أين جئتُم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك يسبحونك، ويحمدونك ويهللونك، ويسألونك، ويستجيرونك. فيقول: ما يسألون؟ - وهو أعلم بهم - فيقولون: يسألونك الجنة. فيقول: وهل رأوْها؟ فيقولون: لا يا رب. فيقول: فكيف لو رأوْها؟ ثم يقول: ومِمَّ يستجيرون؟ - وهو أعلم بهم - فيقولون: من النار. فيقول: وهل رأوْها؟ فيقولون: لا. فيقول: كيف لو رأوْها؟ ثم يقول: اشهدوا أني قد غفرتُ لهم، وأعطيتُهم ما سألوني، وأجرتُهم مما استجاروني. فيقولون: ربَّنا إن فيهم عبداً خطَّاءً جلس إليهم وليس منهم؛ فيقول: وهو أيضاً قد غفرتُ له، هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم” [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الذكر ، والترمذي في كتاب الدعوات، والحاكم].
- وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده” [أخرجه مسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات].
- عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقةٍ من أصحابه فقال: “ما يُجْلِسُكُمْ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يُباهي بكم الملائكة” [أخرجه مسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات].
- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تعالى سيارة من الملائكة يطلبون حِلَقَ الذكر، فإذا أتَوا عليهم حفُّوا بهم” [رواه البزار وقال الهيثمي: إسناده حسن].
- وعن أنس أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حِلَقُ الذكر” [رواه الترمذي في كتاب الدعوات]. قال العلامة ابن علان شارح الأذكار في معنى هذا الحديث: (والمعنى: إذا مررتم بجماعة يذكرون الله فاذكروا موافقة لهم، أو اسمعوا أذكارهم، فإنهم في رياض من الجنة حالاً أو مآلاً. قال تعالى: {ولمَنْ خافَ مقامَ ربِّهِ جنَّتانِ} [الرحمن: 46]) [“الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية” ج 1/94].
- وأخرج أيضاً عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يكبر في قبته، فيكبر أهل المسجد، فيكبر أهل السوق، حتى ترتج مني تكبيرا . - - وأخرج أيضاً عن ميمون بن مهران قال : أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهها بالأمواج من كثرتها .
إذا تأملت ما أوردنا من الأحاديث عرفت من مجموعها أنه لا كراهة البتة في الاجتماع للذكر بل وذكر فضائله ايضا ، ولا يخفى على أحد بأن المواضيع التي تكتب بقصد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم او قول الشهادة او الاستغفار تعتبر من مجالس الذكر .
ومن كتاب الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله ( تفسير ابن كثير ) في شرحه للآية الكريمة ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, ولم يصلوا على نبيهم إِلا كان عليهم ترة يوم القيامة, فإن شاء عذبهم وإِن شاء غفر لهم» تفرد به الترمذي من هذا الوجه, ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة, عن أبي هريرة مرفوعاً مثله, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه. وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال «ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب». وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام في العمر مرة واحدة امتثالاً لأمر الاَية. ثم هي مستحبة في كل حال, وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة. قال وقد حكى الطبراني أن محمل الاَية على الندب وادعى فيه الإجماع قال ولعله فيما زاد على المرة والواجب فيه مرة كالشهادة له بالنبوة, وما زاد على ذلك فمندوب ومرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله. (قلت) وهذا قول غريب, فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة, فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه.
فإن قلت : فقد نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوماً يهللون برفع الصوت في المسجد، فقال : ما أراكم إلا مبتدعين، حتى أخرجهم من المسجد .
فهذا الرد الوافي على أثر ابن مسعود رضي الله عنه
قال سيف العصري في كتابه النقول الصحيحة من ص185 إلى ص191 :
قد أكثرنفاة الذكر الجماعي من الاحتجاج بأثر عبد الله بن مسعود، وهو أثر حكم الأئمة عليهبالضعف، وقبل أن أورد كلام الأئمة أحب أن أقف مع أسانيد هذا الأثر وقفات ليبينللمنصف حال هذا الأثر الذي اعتمد عليه فئات من الناس في الإنكار على الذكر الجماعيوالسبحة، وأصبحوا يكررونه في كلِّ نادٍ، ويطيرون به كل مطار، وهم مع ذلك ينكرون علىغيرهم التمسك بالضعيف، ولكن إذا كان الضعيف ينصر رأيهم فلا بأس من الاحتجاج به ولوكان هذا الضعيف يعارض طائفة من الأحاديث الصحيحة ، وأعود إلى الموضوعفأقول:
روى هذا الأثر عبد الرزاق في مصنفه والطبراني في معجمه الكبير، قالالطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان أنا عطاءبن السائب لا أعلمه إلا عن أبي البختري قال بلغ عبد الله بن مسعود : أن قوما يقعدونمن المغرب إلى العشاء يسبحون يقولون: قولوا كذا، وقولوا: كذا قال عبد الله: إنقعدوا فآذنوني، فلما جلسوا أتوه، فانطلق فدخل معهم فجلس وعليه برنس، فأخذوا فيتسبيحهم فحسر عبد الله عن رأسه البرنس وقال: أنا عبد الله بن مسعود. فسكت القومفقال: لقد جئتم ببدعة وظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلمعلما، فقال رجل من بني تميم: ما جئنا ببدعة ظلماء ولا فضلنا أصحاب محمد صلى اللهعليه وآله وسلم علما. فقال عمرو بن عتبة بن فرقد أستغفر الله يا بن مسعود وأتوبإليه فأمرهم أن يتفرقوا. قال ورأى بن مسعود حلقتين في مسجد الكوفة فقام منهما: فقالأيتكما كانت قبل صاحبتها. قالت إحداهما: نحن فقال للأخرى: قوما إليها فجعلهمواحدة.
وإذا تأملنا سند هذا الأثر، وجدنا ما يلي : أولاً : أن إسحاق بنإبراهيم الدبري وإن كان صدوقاً إلاَّ أن سماعه من عبد الرزاق كان بعد اختلاط عبدالرزاق، فإن الإمام عبد الرزاق توفي وعُمُر الدبري ست أو سبع سنين، فمتى سيكونسماعه منه إلا في السنتين الأخيرتين من حياة عبد الرزاق. قال العلامة إبراهيم بنموسى الأبناسي في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (2/747): قلت وقد وجدت فيما رويعن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جداً،فأحلت أمرها على ذلك، فإن سماع الدبري منه متأخر جداً، قال إبراهيم الحربي مات عبدالرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين.اه
وقال العلامة المحدث السخاوي في فتحالمغيث (3/377): وقال شيخنا – ابن حجر العسقلاني - المناكير الواقعة في حديث الدبريإنما سببها أنه سمع من عبد الرزاق بعد اختلاطه، فما يوجد من حديث الدبري عن عبدالرزاق في مصنفات عبد الرزاق فلا يلحق الدبري منه تبعة، إلا إن صحفوحرف.اه
ولعل من صحح رواية الدبري عن عبد الرزاق لكون الدبري إنما حدث عنعبد الرزاق من كتبه لا من حفظه.
ثانياً : أن جعفر بن سليمان الضبعي سمع منعطاء بن السائب بعد الاختلاط، كما قرره الإمام الذهبي في الكواكب النيرات (ص61): حكموا بتوثيقه – أي عطاء - وصلاحه وباختلاطه، اختلط في آخر عمره قال أحمد بن حنبلثقة رجل صالح من سمع منه قديما فسماعه صحيح ومن سمع منه حديثا فسماعه ليس بشيء ... وممن سمع منه – أي من عطاء - أيضا بأخرة من البصرين جعفر بن سليمانالضبعي.اه
ثالثاً : أن في رواية عطاء بن السائب عن أبي البختري ضعفاً، قالالذهبي في الكواكب النيرات (ص61): وقال إسماعيل بن علية: قال لي شعبة: ما حدثك عطاءعن رجاله زاذان وميسرة وأبي البختري فلا تكتبه، وما حدثك عن رجل بعينهفاكتبه.اه وعليه فلا يمكن لهذا السند أن يكون صحيحاً.
وأما مارواه ابنوضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (ص21) قال : أنا أسد عن جرير بن حازم عن الصلتبن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجليسبح بحصى فضربه برجله، ثم قال : لقد سبقتم، ركبتم بدعة ظلماً، أو لقد غلبتم أصحابمحمد صلى الله عليه وآله وسلم علماً. فإسناده ضعيف للانقطاع الذي بين الصلت بنبهرام وابن مسعود رضي الله عنه، فإن ابن مسعود مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين علىما رجحه ابن حجر رحمه الله في الإصابة، والصلت بن بهرام من أتباع التابعين، وليس لهرواية عن الصحابة المتأخرين، فضلا عن أن يكون له رواية عن عبد الله بن مسعود الذيتوفي في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني الصلت في أتباعالتابعين كما في التهذيب (4/432) .
وروى هذا الأثر أيضاً ابن وضاح من طريقأبان ابن أبي عياش ، وهو كذابٌ، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/134): قالشعبة: لأن أرتكب سبعين كبيرة أحبَّ إليَّ مِنْ أن أحدث عن أبان بن أبىعياش.اه وقال الإمام النسائي في الضعفاء والمتروكين (ص14) : أبان بن أبي عياشمتروك الحديث وهو أبان بن فيروز أبو إسماعيل.اه
ورواه ابن وضاح أيضاً فيالبدع والنهي عنها (ص11) قال: أنا أسد عن عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر ،عن يسار أبي الحكم أن عبد الله ابن مسعود حدث : أن أناساً بالكوفة يسبحون بالحصى فيالمسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصى ، قال : فلم يزل يحصبهمبالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : لقد أحدثتم بدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحابمحمد صلى الله عليه وآله وسلم علماً . وهذا الإسناد ضعيف أيضاً للانقطاع بينسيار أبي الحكم وعبد الله ابن مسعود، فإن سيار من أتباع التابعين كما حكى ذلكالحافظ ابن حجر في التهذيب (4/291) .
ورواه ابن وضاح أيضاً قال: حدثنيإبراهيم بن محمد، عن حرملة، عن ابن وهب، قال: حدثني ابن سمعان قال: بلغنا عن ابنمسعود أنه رأى أناساً يسبحون بالحصى فقال : على الله تحصون ، سبقتم أصحاب محمد صلىالله عليه وآله وسلم علماً ، أو لقد أحدثتم بدعة ظلماً. اه وهذا إسنادٌ باطل،إذ في إسناده عبد الله بن زياد بن سمعان وهو كذاب، قال ابن ابي حاتم في الجرحوالتعديل (5/60) : عن عبد الرحمن بن القاسم قال: سألت مالكاً عن بن سمعان فقالكذَّابٌ ... قال يحيى بن معين: حدثنا الحجاج بن محمد الأعور عن أبى عبيدة يعنى عبدالواحد بن واصل قال: كان عنده بن سمعان ومحمد بن إسحاق فقال بن سمعان: حدثنيمجاهدٌ. فقال بن إسحاق: كَذَبَ والله، أنا أكبر منه، وما رأيتمجاهداً.اه
وأما ما رواه الإمام الدارمي في سننه قال : أخبرنا الحكم بنالمبارك أنا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد اللهبن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعريفقال أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج فلما خرجقمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أنفا أمراأنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو. فقال: إن عشت فستراه، قال رأيتفي المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا،فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائةً، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة. ويقول: سبحوامائة فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم ؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، أوانتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم ان يعدوا سيئاتهم، وضمنْتُ لهم أن لا يضيع منحسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذاالذي أراكم تصنعون. قالوا: يا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرعهلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل،وأنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمدٍ أو مفتتحواباب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريدللخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآنلا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بنسلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
فهو حديثلا يصح إذْ في سنده عمرو بن يحيى بن عمرو، وقد ضعفه ابنُ معين وابنُ خراش وابنُعدي. قال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال (4/378) : عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة،قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء، قد رأيته، وذكره بن عدي مختصراً. انتهى، وقال بنخراش: ليس بمرضي. وقال بن عدي: ليس له كبير شيء، ولم يحضرني له شيء.اه
وقالابن الجوزي رحمه الله في الضعفاء والمتروكين (2/233) : عمرو بن يحيى بن عمرو بنسلمة، قال يحيى –ابن معين- : ليس حديثه بشيء وقال مرة لم يكن بمرضي.اه
وقدأخطأ من ظنه عمر بن يحيى، وانظر كتاب إتمام الاهتمام بمسند أبي محمد بن بهرام (الدارمي)، رسالة "الحطة برجال الدارمي خارج الكتب الستة" (ص687). أضف إلى ذلكالاختلاف في توثيق الحكم بن مبارك، فقد رماه ابن عدي بسرقة الحديث، ووثقه الإمامأحمد وابن منده، وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال (2/345). وعموماً فهذاالأثربما فيه من كلام لا يمكن بحالٍ أن يعارض ما صح من الأحاديث الثابتة المرفوعة إلىالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على استحباب الذكر الجماعي – والتي سبق ذكرها - لأمور: أولها: عدم صحة أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ثانيها: علىافتراض صحته، فهو لا يقاوم الأحاديث، بل الأحاديث مقدمة عليه عند التعارض قطعا،لأنه فعل صحابي وليس بحجة، وإنما الحجة في الكتاب والسنة. ثالثها: أنه محمول علىأن أولئك كانوا يجهرون جهرا بالغاً، ولذا توجه النهي لهم. رابعها: أنهم كانوايؤذون من في المسجد برفعهم الأصوات. خامسها: أنه قد روي عن ابن مسعود رضي اللهعنه في نفس الأثر الذي رواه الطبراني أنه أمر الحلقة المتأخرة بالإنضمام إلى الحلقةالمتقدمة، ولو كان التحلُّق للذكر بدعةً، لما رضي عبد الله بن مسعود بحلقة ولاأكثر. سادسها: أنه قد نفى ذلك عنه التابعي أبو وائل فقال هؤلاء الذين يزعمون أنعبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلسا قط إلا ذكر الله فيه.
وإليكأيها القارئ الكريم بعض كلام أهل العلم في هذا الأثر: قال الإمام السيوطي رحمهالله تعالى في الحاوي للفتاوي (1/379): فإن قلت، فقد نقل عن ابن مسعود أنه رأى قومايهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد. قلت: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهموعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عندالتعارض، ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن مسعود قال الإمام أحمد بن حنبل في كتابالزهد ثنا حسين ابن محمد ثنا المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال هؤلاء الذينيزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالست عبد الله مجلسا قط إلا ذكر اللهفيه. وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (1/177): وأما مانقل عن ابن مسعود أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلامبتدعين حتى أخرجهم من المسجد, فلم يصح عنه بل لم يرد; ومن ثم أخرج أحمد عن أبيوائل قال: هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ; ما جالست عبد اللهمجلسا قط إلا ذكر الله فيه, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.انتهى وقال الإمامالمحدث المناوي في فيض القدير (1/457) : وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قومايهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت . وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد لأحمد عن شقيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذينيزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسا قط إلا ذكر اللهفيه.اه وقال العلامة الألوسي رحمه الله في روح المعاني (6/163) : وما ذكر فيالواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما اراكمإلا مبتدعين حتى أخرجه من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين وعلى فرضصحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد منالحفاظ أو محمول على الجهر البالغ. اه
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته في معرِضِ ذكر الله تعالى مع الجماعة: (وقد شبه الإمام الغزالي ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد وأذان الجماعة، قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جِرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد، كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيراً في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد) [“حاشية ابن عابدين” ج5/ص263]. وقال الطحطاوي في حاشيته: (ونص الشعراني: أجمع العلماء سلفاً وخلفاً على استحباب ذكر الله تعالى جماعة في المساجد وغيرها من غير نكير، إلا أن يشوشَ جهرُهم بالذكر على نائم أو مصلٌّ أو قارىء قرآن، كما هو مقرر في كتب الفقه) [“حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح” ص208]. وأما الذكر منفرداً: فله أثر فعال في صفاء القلب وإيقاظه، وتعويد المؤمن على الأنس بربه والتنعم بمناجاته، والشعور بقربه. فلا بد للمؤمن من جلسة يذكر الله خالياً منفرداً بربه بعد أن يحاسب نفسه ويطلع على عيوبه وأخطائه، فإذا ما رأى سيئة؛ استغفر وتاب وإذا ما رأى عيباً؛ جاهد نفسه للتخلص منه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه” [أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب أبواب صلاة الجماعة، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة أ - ذكر السر والجهر:
إن ذكر الله تعالى مشروع سراً وجهراً، وقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذكر بنوعيه: السري والجهري، إلاَّ أن علماء الشريعة الإسلامية قرروا أفضلية الجهر بالذكر إذا خلا من الرياء، أو إيذاء مُصَلٌّ أو قارىء أو نائم، مستدلين ببعض الأحاديث النبوية الشريفة، منها: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم” [أخرجه البخاري في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجه]. والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر
2 - عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع رضي الله عنه: (انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة؛ فمر برجل في المسجد يرفع صوته، قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائياً؟ قال: “لا، ولكنه أوَّاه”) [رواه البيهقي. كما في “الحاوي للفتاوي” للسيوطي ج1/ص391].
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) [أخرجه البخاري في صحيحه، والمعنى كنت أعلم انصرافهم بسماع الذكر، كما قال صاحب “الفتح” الحافظ ابن حجر العسقلاني في ج2/ص259].
4 - عن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “جاءني جبريل قال: مُرْ أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير” [رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه السيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوي” ج1/ص389].
5 - عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: إنَّا لَعندَ النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: “ارفعوا أيديكم فقولوا: لا إله إلا الله، ففعلنا، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة، إنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم” [أخرجه الحاكم. كما في المصدر السابق ج1/ص391].
وهناك أحاديث بلغت حدَّ الكثرة، جمع منها العلامة الكبير جلال الدين السيوطي خمسة وعشرين حديثاً في رسالة سماها “نتيجة الفكر في الجهر بالذكر” فقال: (الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، سألتَ أكرمك الله عما اعتاده السادة الصوفية من عقد حِلَق الذكر، والجهر به في المساجد، ورفع الصوت بالتهليل وهل ذلك مكروه، أو؛ لا؟ . الجواب: إنه لا كراهة في شيء من ذلك، وقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر، وأحاديث تقتضي استحباب الإسرار به، والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وها أنا أُبين ذلك فصلاً فصلاً. ثم ذكر الأحاديث الدالة على ذلك بكاملها ثم قال: إذا تأملتَ ما أوردنا من الأحاديث، عرفت من مجموعها أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر، بل فيه ما يدل على استحبابه؛ إما صريحاً أو التزاماً - كما أشرنا إليه ، وأما معارضته بحديث “خيرُ الذكر الخفي” فهو نظير معارضة أحاديث الجهر بالقرآن بحديث: “المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة”، وقد جمع النووي بينهما: بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء، أو تأذَّى به مصلون أو نيام، والجهر أفضل في غير ذلك؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظُ القارىء، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط. وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأن المُسِرَّ قد يملُّ فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلُّ فيستريح بالإسرار. وكذلك نقول في الذكر على هذا التفصيل، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث. فإنْ قلتَ: قال الله تعالى: {واذكُرْ ربَّكَ في نفسك تضرُّعاً وخيفةً ودون الجهرِ من القولِ} [الأعراف: 205]. قلت: الجواب على هذه الآية من ثلاثة أوجه:
الأول: إنها مكية كآية الإسراء: {ولا تجهر بصلاتِكَ ولا تخافِتْ بها} [الإسراء: 110]. وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن، فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومَنْ أنزله، فأُمِر بترك الجهر سداً للذريعة، كما نُهي عن سب الأصنام لذلك في قوله تعالى : {ولا تسبوا الذين يدعونَ من دون الله فيسبوا الله عَدْواً بغيرِ علمٍ} [الأنعام: 108]. وقد زال هذا المعنى، وأشار إلى ذلك ابن كثير في تفسيره.
الثاني: إن جماعة من المفسرين - منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك، وابن جرير - حملوا الآية على الذاكر حال قراءة القرآن، وأنه أمرٌ له بالذكر على هذه الصفة تعظيماً للقرآن أن ترفع عنه الأصوات، ويقويه اتصالها بقوله تعالى: {وإذا قُرِئ القرآنُ فاستمعوا له وأنصتُوا} [الأعراف: 204]. قلت وكأنه لما أمر بالإنصات خشي من ذلك الإخلاد إلى البطالة، فنبه على أنه وإن كان مأموراً بالسكوت باللسان إلا أن تكليف الذكر بالقلب باقٍ حتى لا يغفل عن ذكر الله، ولذا ختم الآية بقوله: {ولا تَكُنْ مِنَ الغافلين} [الأعراف: 205].
الثالث: ما ذكره بعض السادة الصوفية أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم الكامل المكمل، وأما غيره - ممن هو محل الوساوس والخواطر الرديئة - فمأمور بالجهر، لأنه أشد تأثيراً في دفعها. قلتُ: ويؤيده من الحديث ما أخرجه البزار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلَّى منكم بالليل فليجهر بقراءته فإن الملائكة تصلي بصلاته، وتسمع لقراءته، وإنَّ مؤمني الجن الذين يكونون في الهواء، وجيرانه معه في مسكنه يصلون بصلاته، ويستمعون قراءته، وإنه ينطرد بجهره بقراءته عن داره وعن الدور التي حوله فُسَّاق الجن ومردة الشياطين”. فإن قلتَ: فقد قال تعالى: {ادعُوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدينَ} [الأعراف: 55]. وقد فسر الاعتداء بالجهر في الدعاء.
قلتُ: الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الراجح في تفسيره أنه تجاوزُ المأمور به، أو اختراعُ دعوة لا أصل لها في الشرع، ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه، والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي نعامة رضي الله عنه: (أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون بالدعاء”) فهذا تفسير صحابي، وهو أعلم بالمراد.
الثاني: على تقدير التسليم فالآية في الدعاء لا في الذكر، والدعاء بخصوصه؛ الأفضل فيه الإسرار، لأنه أقرب إلى الإجابة، ولذا قال تعالى: {إذْ نادى ربه نداءً خفياً} [مريم: 3]. ومن ثَمَّ استحب الإسرار بالاستعاذة في الصلاة اتفاقاً لأنها دعاء.
وقال العلامة الكبير الشيخ محمود الألوسي في تفسيره عند قوله تعالى: {وإنْ تجْهَرْ بالقول فإنَّه يعلم السِّرَ وأخفى} [طه: 7]. وقيل: نُهِيَ عن الجهر بالذكر والدعاء، لقوله تعالى: {واذكرْ ربك في نفسِكَ تضرعاً وخفيه ودون الجهر من القولِ} [الأعراف: 205]. وأنت تعلم أن القول: بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي، لا ينبغي أن يكون على إطلاقه. والذي نصَّ عليه الإمام النووي رضي الله عنه في فتاويه: أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعاً؛ مشروع مندوب إليه، بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وهو قول القاضي خان في فتاويه في ترجمة مسائل كيفية القراءة، وقوله في باب غسل الميت: (ويكره رفع الصوت بالذكر) فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية، لا مطلقاً، وقال الألوسي أيضاً: واختار بعض المحققين أن المراد دون الجهر البالغ أو الزائد على قدر الحاجة فيكون الجهر المعتدل، والجهر بقدر الحاجة داخلاً في المأمور به؛ فقد صح ما يزيد على عشرين حديثاً في أنه صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يجهر بالذكر، وصح عن أبي الزبير رضي الله عنه أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم من صلاته يقول بصوته الأعلى: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل” إلى أن قال: وقد ألَّف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة في تحقيق هذه المسألة رسالتين جليلتين سمَّى أولاهما: “نثر الزهر في الذكر بالجهر”. وثانيتهما: “اتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله”) [“روح المعاني” للعلامة الكبير الشيخ محمود الألوسي المتوفى سنة 1270ه ج16/ص147 - 148].
وتأويل الذكر بمذاكرة العلم وآلاء الله تعالى بعيد، ولا يجوز حمل اللفظ على خلاف المتبادر إلى الذهن من غير ضرورة« ولا يقال: لا يلزم من اجتماع قوم للذكر جهرهم بالذكر لجواز أن يكون ذكر كل منهم سرا على حدة. لأنا نقول: إذا كان الذكر سرا، فلا يظهر للاجتماع فائدة معتد بها.
| |
|